Thursday, August 15, 2013

الكتابة




كل يوم ، وكلما اشرقت شمس جديدة يموت الكاتب بشكل جزءاً جزءاً ! يموت فيه الفرح ، العشق الرغبة ،يموت فيه كل شيء ، كل عرق ينبض  ، عدا الذاكرة تلكم اللعينة ، تظل حية ومشتعلة ، وتتقد في كل يوم بألف شمعة ، تعذبه بحنين قاتل ومضن ، تعذبه بتذكر ما انحنى وانكسر من  أشواقه، تعذبه بتخلق بذرة الكتابة المرّة الحارقة بجوفه.
الكتابة رهق وموت ، الكتابة وجع لا ينتهي الا ليبدأ بعده وجع جديد ، ويقول قائل: اذا لم تكتبون ، اليس من الممكن أن تنأون بأنفسكم عن هكذا ايلام ، أمن ترف تكتبون كيما تجربون هذا الوجع ؟ ثم يسأل ويسأل ؟ والكاتب المتواطئ بداخلي يتبسم بخبث ، يدرك هذا اللعين ما نحن فيه من ورطة ، الكاتب كالمدمن ، كمن شرع في ابتلاع اقراص الهلوسة ، لا ينام الا والقرص قد رقد في جوفة في تمام الأمان ، الكاتب كالمهووس ، يطلق لأخيلته حبل يمدها اين تشاء ثم يتبعها مؤمناً بما تقول ، غير ان الكاتب فوق هذا وذاك رسول ، رسول يمعن في تبصر الليل وهادئاً يتسمع ما يروية النجم ، رسول يمشي بين الناس بالتأمل ويراهم كما ينبغي لمدرك أن يري ، العجوز ، شاحبة الوجه ، جاحظة العينين ، ذات الراحتين اليابستين ، ليست هي العجوز حسبما يراه الكاتب ، هي ربما شمس الشتاء ، او هي قارورة العطر إذ زيفها العطار وأراق عليها من الماء ما يكفي ليجعلها رديئة ، اللص الذي مشى ببطء نحو الفتاه ودس يده في حقيبتها ثم غنم ، لم يكن لصاً محترفاً ، بل كان جاسوساً يتلصص ما تخبئه الفتيات من اقراص منع الحمل في حقائبهن ،
الكاتب نصف نبي ، غير أن نبوءاته لا تصدق الا بعد حلولها ليقول الناس بعد ذاك (قديماً قيل) والكاتب ليس سوى مشرد بذيء غير ذو فائدة عند السلطان ، فهو دائماً ما يتتبع عورات العارفين ويشيعها لمن لم يراها ، والكاتب مجهول إذ لاينافق .
والكاتب فوق كل ذلك يكتب ، يكتب لأنه لا يقتات الا كلماته ساءت هي ام كانت شهيه ، يكتب لأنه يتلذذ برائحة الهزيمة وهو يلفظها ثم يكتب ، ويكتب فيكشف خبايا الوجود واسراره ، يجمع الخرق البالية ويشكلها داراً له ، يتواطئ مع المخبرين والعسس ويراقب الليل كي لا ينفلت ويفرط في الوشاية بالعاشقين .
يكتب الكاتبون ونحن نكتب ، لأننا نحاول ان نتق يوماً لا يعصمنا من شدة حره الا ما كتبنا .
ثم قال عنا واسيني الأعرج :
(نعم نكتب لأننا نريد من الجرح أن يظل حيَا ومفتوحًا.. نكتب لأن الكائن الذي نحب ترك العتبة وخرج ونحن لم نقل له بعد ما كنّا نشتهي قوله.. نكتب بكل بساطة لأننا لا نعرف كيف نكره الآخرين، ولربما لأننا لا نعرف أن نقول شيئًا آخر.)

No comments:

Post a Comment