Thursday, August 15, 2013

التطور الدلالي




اذا عرفنا وتأكدنا من أن الألفاظ (الكلمات) لها حدود على كثرتها  ، و أن المعاني قائمة مفتوحة ولا نهائية بحسب ما يقتضية الحال – استخدام الكلمات مكرورة وبترتيب متغير لتغير المعنى- فان تطور معاني الكلمات أو تغييرها و انتقالها من حال الى حال ومن معنى الى معنى  يظهر بجلاء كلما  تطور النظام اللغوي -في كل مستوياته- سواء كانت  صوتية او صرفية او نحوية وهذه الأخيرة تبدو على ثبات فيها إلى حد بعيد،  هذا لا يعني  بالضرورة أن الكلمات لاتتطور( صورياً) و لكن تطورها يظل أقل بكثير من ذلك الموجود في الجانب الدلالي و لعل ذلك هو الأكثر شيوعاً كظاهرة في كل اللغات الحية   ويبدو أن ذلك ينشأ كنتيجة لأن العوامل الاجتماعية و التغيرات الحياتية التي تواكبها اللغات  ربما فرضت عليها  ذلك.
ولعلنا ندرك أن موضوع الحقيقة و المجاز هو الذي يتصل بهذا التطور الدلالي. و قد وصف القدماء الحقيقة بأنها الدلالة الأصلية للفظ أي دلالة الوضع الأول ،و أن المجاز هو المعاني الأخرى التي قد تتولد من المعنى الأصلى بحكم ارتباطاتها الإجتماعية ، النفسية ، الإقتصادية، وغيرها
وعلى الرغم من أن مسألة  الحقيقة و المجاز تظل على شيء من النسبية، و ربما يكون من الصعب تحديد المعاني الحقيقية الأصلية وذلك أن المعنى ربما ينتقل من الحقيقة -المعنى الأول الوضعي- إلى معنى آخر على سبيل المجاز ثم لا يلبث هذا المجاز ان يستحيل –بحكم الممارسة والتوافقية- الى حقيقة (معنى وضعي) ليتولد منه  مجاز جديد و هكذا
وايجازاً نرى ان اهم عناصر التطور الدلالي هي أن الألفاظ يتم تبادلها وتناولها  وفق علاقات ذهنية ونفسيه  قد  تتباين بين أفراد المجتمع الواحد والجيل الواحد و البيئة الواحدة، وبذا تتكيف الدلالة .
ومع ان  الناس في الغالب يتفقون على معاني الألفاظ المركزية ، غير أنهم  وفي كثير من الأحيان يختلفون في حدودها الهامشية وما يؤثر عليها من ظروف في الغالب تتغير و تتنوع بتنوع التجارب و الأحداث ولعل ذلك ما يؤدي الى الانحراف في الدلالة كلما انتقل الواقع الى آخر مجاور . فمثلاً سوء الفهم للفظ قد يؤدي الى انتقال في الدلالة وذلك انه يتم التعامل مع هذا الفهم الخاطيء شيئاً فشيئاً حتى ينتقل و يتكرر وربما اكتسب لنفسه بموجب هذا الفهم حياة جديدة يحياها  جنبا إلى جنب مع المعنى الأصلي ، فيؤدي بذلك في مرحلة الى الإشتراك اللفظي وربما ازاح المعنى الأصل فيما بعد وصار اصلاً ولا نغفل أن من عوامل التغير الدلالي الإبتذال ، ويظهر ذلك في ان بعض العبارات قد تتعرض لإستخدام اجتماعي أو سياسي يبتذلها ، فتتحول دلالتها الى اخرى غير تلك المرادة ، فمثلاً كلمة الحاجب والتى تطلق في اصلها على رئيس الوزراء ولكن ولسوء الإستخدام السياسي تغيرت دلالتها فصارت لا تعني الا التابع للحاكم في ما يصيب ويخطئ

وكذلك قد تبتذل الألفاظ أو تنزوى  اذا ما اتصلت  بمعنى القذارة و الدنس أو الغريزة الجنسية
 بحيث  يستعاض عنها بكلمات أخرى أكثر غموضا.
غير ان اهم عوامل التغير الدلالي في رأي هو الحاجة إلى التجديد و التغيير في معاني الألفاظ، ويتم بقصدية وارادة واعية من قبل الفئة الموهوبة من الشعراء و الأدباء أو من قبل الهيئات اللغوية (الرسمية،كالمجامع اللغوية) حيث يتم نقل اللفظ من مجاله المألوف إلى مجال آخر جديد.ليتم بهذا التطور مواجهة تطور اجتماعى أو سياسي او اقتصادي او غيره

No comments:

Post a Comment